الاثنين، نوفمبر 24، 2014

11 في فرايبورج



إذا اضطرتك الظروف لتذهب إلى مهندس تصليح الدراجات الهوائية (العجلاتي كما نطلق عليه في مصر) فخذ حذرك، فلسوف تصاب بصدمة مدوية من هول ما تراه!

انقطع اليوم جنزير دراجتي، فوقفت مزهولا، لا أدري ما أفعل، ولا أعرف إلى أين أذهب، ولا بمن أستنجد! ورأى المشهد رجلا، فاقترب مني، وأخذ يهدئ من روعي، ثم أرشدني إلى مكان يتم فيه تصليح الدراجات، ولم يكتف الرجل بوصف العنوان، بل أصرعلى أن يأتي معي.
رأى الرجل منى اضطرابا، فأجبته بأن همي الوحيد هو الخوف من دفعي ثمنا باهظا نظير إصلاح الجنزير، كما أنني أخشى ألا يكون هناك أمل في إصلاحه، فأضطر لشراء جنزير جديد!
كان الرجل متفهما قلقي، فهو يعرف أن أجرة التصليح أو الصيانة في هذه المدينة باهظ جدا، ناهيك عن الارتفاع الكبير في أسعار قطع الغيار، الشئ الذي لا يمكن لأمثالي تحمله، لذا فقد أخذ الرجل يهدئ من روعي حتى وصلنا أمام محل إصلاح الدراجات؛ وهنا ازداد قلقي وازداد توتري، ورأيت أمامي معرضا كبيرا، واجهته من زجاج، رصت بداخله عشرات الدراجات، وفيه مكان لاستقبال الزبائن، وورشة بها أجهزة ومعدات لم أرها من قبل. ألقينا التحية، فانتصب أمامنا رجلا يرتدي قفازين في يديه، اقترب منا، نظر إلى ما أحمله في يدي، عرف أن الجنزير قد انقطع، رجع خطوة إلى الخلف، عقد حاجبيه، ثم تسائل مندهشا: يا إلهي، كيف حدث ذلك!
لم يكن بمقدوري سوى أن أجيبه، تلعثمت في البداية، ثم آثرت الصمت، فشجع صمتي الرجل الذي جاء معى على أن يقول: أرجوك ساعده فيبدو أنه فقير! وقعت كلمات الرجل على مسامعي موقع الإهانة، وشعرت بألم الكلمات من نظرات "العجلاتي"، وزاد الألم عندما لم يرد. استأذن الرجل بعد أن آلمنى بكلماته وبقيت مع العجلاتي أنظر ما سيفعله بدراجتى.
رفع "العجلاتي" دراجتي وثبتها بحبلين تدليا من السقف، فلما رأيت دراجتي معقلة لم أتمالك نفسي من الضحك، لقد رفعها الرجل كما ترفع السيارات، تراني أخطأت في العنوان، أم ترى "العجلاتي" أخطأ مهنته! وعدت بذاكرتي إلى مشاهد تكررت أمامي كثيرا "لعجلاتية" ليس لهم إلا قوارع الطرق يعملون فيها بأدوات بدائية ومعدات قديمة!
بدأ الرجل عمله بتشحيم تروس الدراجة، ثم وضع الجنزير أمامه على منضدة رصت عليها عدة حديثة أشبه بعدة السيارات، ثم أخذ يقيس عرض الجنزير وطوله بمقياس حديدي، وراح يدون المقاسات على ورقة، ثم أخرج العقلة المكسورة من الجنزير بآلة صغيرة لا تحتاج منه أي مجهود، فقط قام بتثبيتها ثم بلفها فخرجت العقلة!
كان منهمكا في عمله، فلم يلتفت نحوي وأنا أحدثه عن "عجلاتية" مصر، وأدواتهم البدائية، كنت أحاول أن أعقد معه صحوبية عله يخفف عني من الحساب، إلا أن الرجل لم يعير حديثي أي اهتمام، وواصل عمله بجد ونشاط. ونظرت من زجاج المعرض فوقع بصرى على رجل يلوح بيديه، دققت النظر فإذا بى أعرفه، لقد التقيته منذ عده أيام على شاطئ نهر "دراي زام". خرجت إليه فسلمت عليه بحرارة، لقد رأيتها فرصة عظيمة قد تزيد من أسهمي لدي "العجلاتي" فتقل معها تكلفة التصليح!
أخذت صاحبي الجديد من يده، وانتحيت به جانبا أسأله: كم سيكلفنى تصليح الجنزير؟! اندهش الرجل وتعجب: ألم تتفق مع العجلاتي في البداية؟! أجبته بأن الأمر جاء على عجل، ولم أتمكن من سؤاله. واصل الرجل اندهاشه متسائلا: ماذا ستفعل إذا طلب منك مائة يورو؟
أنا: ألهذا الحد؟
هو: طبعا!
أنا: هل ممكن أن تحدثه في الأمر، فأنا محرج منه. واستدركت: ويا حبذا لو حاولت أن تخفض لي السعر.
هو: لا، لا أستطيع فعل ذلك، حدثه أنت، وحاول أن تصل معه إلى سعر مناسب.
وكان "العجلاتي" قد أنزل دراجتى، ثم ذهب بها جهة الباب، فعلمت أنه انتهى الآن من إصلاحها. سألته: كم الحساب؟ فأجاب: ثمانية يورو!

ملحوظة: 1 يورو = 9 جنية مصري



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق