الثلاثاء، يوليو 01، 2014

المملكة 19



وتغيرت نظرتى نحوها فجأة، فتحولت من نظرة عادية لامرأة عادية من عامة الشعب إلى نظرة أقرب إلى الاستغراب منها إلى الاندهاش، ومن الاحترام العادي إلى مزيد من الاحترام، ألم أقل لك إن لكثرة الأموال لسحر! قلت لها:
-        خمسة ملايين درهم لماذا؟
-        لزوم الكوافير والعشاء والقاعة والفرقة الموسيقية!
-   بخمسة ملايين درهم يمكنك أن تشترى فيلا في مصر، أو أن تزوجي أكثر من أربعين شابا وفتاة!
-   وهنا لا يمكنك حتى شراء شقة، ثم إن خمسة ملايين درهم لا تعد شيئا يذكر، هناك موظفين يتقاضونهم راتبا شهريا!
كانت هذه هي آخر كلماتى معها، فقد كنا قد وصلنا عند باب متجر يباع فيه المخبوزات، فانحرفت إليه من دون استئذان، سألتها:
-        أأنتطرك؟
-        نعم!
وانتظرتها خارج المتجر حتى تعود، فلما خرجت لوحت بيدها وانصرفت! ولم أستطع فهم تصرفها هذا، وأحسست بإهانة بالغة، ترى هل كان جوابها نعم، أم أنه قد خيل لى!
وعدت أدراجي إلى الفندق، وفي مطعمه التقيت بصاحبي التونسي، فأخبرته بأننى اتصلت به صباح اليوم، حسب الاتفاق، فلما لم يرد ذهبت وحدى في مغامرة ممتعة، وحكيت له قصتى مع السيدة الغنية، وحكايتى مع صومعة حسان، واتفقنا أن نذهب إليها باكر!
ثم... مضت أحداث هذا اليوم سريعة، ففي الصباح كانت وقائع المؤتمر، وفي الظهر كنا على موعد مع الغداء في الفندق، بعده عدنا مرة أخرى نستمع ونناقش، وكنت أنتظر قدوم عبد الرحيم (المغربي)، فزيارة المملكة من دون رؤيته شيئ غير مقبول، وقد أفعل أي شئ لرؤيته؛ فهو رفيق غزوة برلين في العام قبل الماضي، وشريكي في الشقة التى كنا نسكنها هناك، وصاحبي في السمر والسهر، وصديقي وقت الضيق، إلا أن اتصالا منه عصر اليوم اعتذر فيه عن المجئ  أحزننى كثيرا، ولم يخفف من حزنى سوى وعد منه أنه سيأتى في الغد، تراه سيأتى أم تراه سيجدد اعتذاره، لن أقبل منه عذرا بعد اليوم!

في السادسة مساءا كنا على موعد مع السرعة والإنجاز، وإن شئت فقل "موعد مع الحظ والتوفيق"، فقد دعانى رفيقى المصرى المفقودة حقيبته أن نذهب سويا إلى المطار، فأخيرا وصلته أنباء عن أن حقيبته قد حضرت، وعلى الفور خرجنا من قاعة المؤتمر فاتجهنا نحو محطة الأتوبيس، سألنا عن الأتوبيس المتجه نحو المطار، وجدناه على موعد مع الانطلاق، استأذنا سائقة الشاب أن نذهب سريعا إلى الفندق لنضع أغراضنا ونعود، فوافق، ولما عدنا وجدناه في انتظارنا، شكرناه، فرد بابتسامة، وانطلق!
 في المطار وجدنا أتوبيسا آخر يستعد للعودة إلى وسط المدينة، استأذنا من سائقة أن ينتظرنا خمس دقائق، فوافق، فقفزنا داخل صالة المطار، سألنا الموظف المختص، ذهب معه رفيقى، أعطاه الحقيبة ثم عدنا فقفزنا داخل الأتوبيس، وشكرنا السائق!
كنا ومازلنا لا نصدق أننا قطعنا المسافة إلى المطار ذهابا وإيابا في أقل من ساعة، السائقون هنا في قمة الأدب والاحترام، متعاونون لأقصى حد، مبتسمون، ملتزمون بآداب الطريق، ولا يوجد وجه للمقارنة بينهم وبين سائقينا!
عدنا سريعا لنلحق بزملائنا، فموعد العشاء قد حان، ومكان العشاء وجدناه أفضل مكان، فهو مطعم ذو طراز مغربي أندلسي، يقع على سور المدينة القديمة، يتكون من طابقين، صعدنا للطابق الثاني، فجلسنا على موائد عربية قديمة، مقاعدها غير مريحة، إلا أن السهر والسمر في حضرة الشباب العربي خففت من تعب المقاعد وأنستنا الوقت!

هناك تعليق واحد:

  1. لا يوجد وجه للمقارنة بينهم وبين سائقينا!....حاجه تزعل :(

    ردحذف