الخميس، يونيو 05، 2014

المملكة



(1)

"الماء والخضرة والوجه الحسن"، جملة تتجسد فيها المملكة، و تصفها أشد الوصف وأعجبه، وهي كل ما أعرفه عنها، فقد كنت من عشاق حليم ومازلت، وكنت أستمع كثيرا لأغنيته التى غناها بمناسبة عيد ميلاد الملك الحسن؛ حينها كنت  أشعر بالفخر كلما قرأت عن الاستقبال الحافل الذي كان يستقبله الملك للفنانين المصريين، وكيف أن الملك الحسن أرسل عبد الحليم بطائرة ملكية إلى فرنسا للعلاج، وكيف حمله الناس بسيارته عندما عاد إليها سالما. كانت أيام، حينها كان المصريون محترمين، يقدمون فنا هادفا، يجبر الآخرين على احترامهم ، وتستقبلهم الشعوب استقبال الملوك.
ولست أدري السر وراء عدم معرفتنا بالمغرب، هل هو بعد المسافة، أم أنها طبيعة الشخصية المصرية التى كانت تعتبر أن الغرب هو آخر مكان يزوره الإنسان، ليدفن فيه! فحرصوا على بناء مقابرهم في الجهة الغربية للنيل، فالأهرامات ووادي الملوك والملكات كلها في الغرب، ثم إن توسعات الممالك المصرية القديمة والحديثة كانت كلها تتجه نحو الشرق، ولم نسمع أن خاضت الجيوش المصرية حربا جهة الغرب، اللهم إلا دفاعا عند الحدود! أم ترى أن السبب يكمن في وجود كل المقدسات الدينية في الشرق، فلا احتياج لنا إذن إلى الغرب؟! هل يذهب الله إلى الغرب؟! أم أنه لا داعى لذهابه هناك، فالجميع ينشدونه هنا في الشرق؟!

 ع المغربية يا حمام ع المغربية،

هكذا غنى حليم، وهكذا أغنى الآن، ترى هل كان حليم سعيدا وهو يصدح بهذه الكلمات، أم تراه كان منافقا يردد كلمات يجنى من ورائها أموالا وشهرة؟ وهل كان فرحا عندما كان يزور المملكة، أم أن القاهرة وقتها كانت أم الدنيا؟ أمّا أنا فسعيد، وأرجو أن تدوم سعادتى، فحبي للمغرب وفرحي بزيارة أهله لا يوصف؛ فمذ قرأت عن ابن خلدون وابن رشد وابن بطوطة، ومذ سكنت في برلين مع صديقى العزيزعبد الرحيم السعدي، ومذ ذقت زيت الأرجان، ومذ أكلت الكسكسي، وشربت الشاي المغربي وأنا أحب المغرب وأشتاق لزيارته.

ولما جائتنى الدعوة لحضور مؤتمر في الرباط لم أتردد لحظة في تلبيتها ، إلا أن القدر لم يمهلنى كي أفرح، فلا الوقت ولا الإمكانيات تسمحان بلتبية الدعوة، ولم أغلق الباب، ولم يُغلق هو أيضا، وسعيت في استخراج التأشيرة، وتمت بسهولة ويسر، وبقى أن أتقدم بطلب للإجازة في وقت لا يسمح فيه بذلك؛ فالامتحانات على الأبواب، والمشاغل كثيرة، إلا أن الله أراد، وعندما يريد الله فلا مانع لإرادته، وأعلنت الدولة أسبوع سفرى إجازة رسمية في جميع الجامعات، عسى أن يعم الهدوء يومى الانتخابات الرئاسية، حينها عادت إلىّ بسمتى وتجدد لدي الأمل، وفرحت مرة أخرى!

في الطائرة وصلت المغرب قبل أن أصل إليها، وفُتحت لي قبل أن أفتحها، ودنت منى قبل أن أدنو منها. فعن يمينى جلست شابة مغربية ابتدرتنى بقولها: أول مرة تسافر المغرب؟ قلت لها بابتسامة شوق: نعم، ثم أردفت: وأتمنى ألا تكون الأخيرة، ثم سألتها وأنت، هل أعجبتكي مصر؟!
ويبدو أن مصر تعجب الجميع إلا أهلها، ويشتاق الناس إليها إلا أهلها، فكم من نعمة لا يشعر الإنسان بها إلا بعد أن تزول، وكم من صحة لا يهتم الناس لها إلا بعد أن يفقدوها!  
أخذت الفتاة نفسا عميقا ثم قالت: مصر بلد العجائب، وأنتم لا تقدرونها حق قدرها! نظرت إليها بدهشة سائل: من تقصدين بأنتم؟ أجابت: أنتم المصريون!
أخبرتنى بقصة زواجها من مصري، تعرفت عليه من خلال الإنترنت، وعقد عليها قبل أن يلتقي بها، ثم تزوجته في المغرب، وجاءت معه إلى القاهرة، ومضى على زواجهما سنتان، ثم هي تنتظر مولودها الأول بعد أشهر معدودات، تريد أن يكون المغرب بيته الأول لا الأخير!
امتد بنا الحوار لساعات حكت لى فيها كل شئ عن المغرب، عن عاداته وتقاليده، وعن أهله وناسه، وطرقه وبناياته،  ثم أسهبت في أنواع أطعمته ومأكولاته؛ فحكت لي ما يأكله المغاربة عند الفطور، وما يتناولوه عند الغداء، وما يفضلونه عند العشاء، وحرصت أن أدون كل ما قالت، ربما مبالغة في الاهتمام بما تقول، أو لعله ينفعنى إذا ما أردت أن أكتب شيئا عن المغرب، أو ربما يكون عونا لي إذا ما اضطررت يوما لأطبخ طبخة مغربية.
كان حديثها ممتع، فهي تتحدث اللهجة المصرية بطلاقة، ولديها قدرة كبيرة على المقارنة بين البلدين، وخصوصا في الأطعمة وأنواعها، وأدهشنى معرفتها الكبيرة بجميع المأكولات المغربية، وزالت دهشتنى عندما علمت أنها تعلمت كل ذلك في معهد السياحة والفنادق بالرباط.
  سألتها، فأجابت وكأنها تقرأ من كتاب:
-        الفطور عندنا في المغرب عبارة عن شاي مغربي، أو قهوة بالحليب مع الحرشة.
-        الحرشة! ما الحرشة؟
 قالت وهي تضحك من استغرابي: هي عبارة عن رغيف من دقيق السميدة.
-        السميدة! وما السميدة؟
علت ضحكتها وهي تقول: السميدة دقيق مخلوط بالسمن، يوضع عليه إما جبن أو عسل، ثم أردفت: وهناك أيضا المسمن. قلت لها: وما المسمن قالت: فطير يشبه الفطير المصري، ويكون حلوا أو مالحا، ثم واصلت: وهناك الرزيزة، والبغرير، وهناك الخليع!

هناك 3 تعليقات:

  1. ولست أدري السر وراء عدم معرفتنا بالمغرب، هل هو بعد المسافة، أم أنها طبيعة الشخصية المصرية التى كانت تعتبر أن الغرب هو آخر مكان يزوره الإنسان، ليدفن فيه! فحرصوا على بناء مقابرهم في الجهة الغربية للنيل، فالأهرامات ووادي الملوك والملكات كلها في الغرب، ثم إن توسعات الممالك المصرية القديمة والحديثة كانت كلها تتجه نحو الشرق، ولم نسمع أن خاضت الجيوش المصرية حربا جهة الغرب، اللهم إلا دفاعا عند الحدود! أم ترى أن السبب يكمن في وجود كل المقدسات الدينية في الشرق، فلا احتياج لنا إذن إلى الغرب؟! هل يذهب الله إلى الغرب؟! أم أنه لا داعى لذهابه هناك، فالجميع ينشدونه هنا في الشرق؟!


    هذا الجزء استعارة مكنية للموقع الجغرافى للبلد ؟؟؟ ام ما هو المقصد

    ردحذف
  2. هذا استفهام إنكاري لعدم معرفتنا بحدودنا الغربية!

    ردحذف