الأحد، يونيو 15، 2014

المملكة 9



في الطائرة كنا على موعد جديد مع الإثارة، فالطائرة قديمة، وشكلها غريب، وهي قريبة الشبه بالطائرات المروحية، إذا رأيتها من بعيد خلتها مركب شراعى، وإذا اقتربت منها أحسست أنها من مخلفات الحرب العالمية الأولى، يدخلها المسافرون من باب خلفى، ولم أر بها حمام، ولا يقدم على متنها مأكولات ولا مشروبات، وأكثر من نصف مقاعدها خال من الركاب، وكانت هذه هي الميزة الوحيدة، حيث أتاحت لى حرية الجلوس في المكان الذي أردت، واخترت المنتصف. وعندما ارتفعت بنا في الهواء أحسست أنها تطير بجناح واحد، فأخذت أردد الشهادتين حتى تيقنت أننا هبطنا بسلام على أرض الرباط!

ولم تنته الإثارة بعد، ففي مطار الرباط كانت هناك إثارة من نوع جديد، إذ أن جميع حقائبنا قد وصلت بسلام، ما عدا حقيبة رفيقى من مصر، الأمر الذي أربك معه جميع الحسابات، وخصوصا حسابات رفيقى صاحب الحقيبة المفقودة، فأنى له الآن بملابس ينام بها، وأنى له غدا بملابس يحضر بها المؤتمر، وأنى له بأوراقه، وأدواته الشخصية، وخلت نفسى مكانه فوجدت الأمر لا يطاق، وزاد من صعوبة احتمالة المعاملة الباردة التى عاملتنا بها موظفة الحقائب المفقودة، فقد تعللت ببطئ الإنترنت على جهازها، وحتى تعالج الأمر أخذتنا إلى غرفة أخرى، ثم ثالثة، ثم رابعة،  ثم انتهى بها الأمر أن تركتنا وذهبت بأوراق رفيقى ومعها أوراق من فقدت حقائبهم، وكانوا خمسة، واختفت لبضع دقائق، أشعلت في قلوبنا مزيدا من الحنق والغيظ، وفي النهاية أعطت رفيقى رقم تليفون وطلبت منه أن يتصل في الغد ليعلم إذا ما كانت حقيبته وصلت أم لا!
عبث بمتعلقات الناس، واستخفاف شديد بحاجياتهم! لابد وأن يكون هناك بديل يوفروه لمن تفقد حقائبهم، إنهم يحصلون منا على أموال كبيرة، يستنفزوننا، ووقت حدوث المشكلة يتجاهلوننا. أعرف أن هذا يحدث من دون قصد، وأنه قدر محتوم، وتجربة جديرة أن تؤخذ باهتمام، منها يتعلم الإنسان ألا يضع جميع بيضه في سله واحدة، وأن يكون صبورا!

في الفندق عرضت عليه أن يقتسم معى ملابسي التى لاتقبل القسمة على اثنين، فقد اقتصدت هذه المرة كثيرا- وعلى غير العادة- وحملت في حقيبتى الصغيرة ما يكفى بالكاد لأربع ليال وثلاثة أيام. عبثا حاولت التسرية عنه بكلمات تتكرر كثيرا في مثل هذه المواقف: " خير، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" ، " بتحصل في أحسن العائلات" وحاولت أن أستذكر موقفا مشابها حصل معى فلم أجد، فاقترحت عليه أن ننزل لنشترى ما يحتاجه من ملابس مؤقتة حتى يسترد حقيبته، فتعلل بتأخر الوقت وحتمية إغلاق المحلات أبوابها وأضاف:  وأنا مجهد وتعبان!
... وأنا أيضا! ولم يبق أمامنا من هذا اليوم الطويل سوى أن نضغط على زر الكهروباء فنطفئ  الأنوار ليحل الظلام على الغرفة الثنائة بالطابق الثالث من فندق " لا بترى"، وتذكرنا الصلاة، واحترنا في معرفة مكان القبلة، وزالت الحيرة عندما اتصلنا بموظف الاستقبال الذي بعث إلينا بمن يحدد لنا الاتجاهات!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق