السبت، يونيو 07، 2014

المملكة 3



ولم تكتف الفتاة المغربية بذكر طواجن اللحم، بل راحت تسرد على أمعائي طواجن الفراخ، وطواجن السمك، وراحت تؤكد على أن ما يأكله المصريون من دجاج وأسماك لا يمت إلى الطعام بصلة، وأنهم لو أكلوا الفراخ والأسماك المغربية لما تركوها صباح مساء!
ثم جاء الدور على الكسكسى، وما أن ذكرته حتى خرجت منها تنهيدة سمعها كل من في الطائرة، هكذا تخيلت، ولا يخلو الأمر من مبالغة، وتبقى الحقيقة أنها تنهدت! نعم تهندت تنهيدة انشرح بها صدرى، وتأهبت لها أمعائي، وأصغت لها أذنى، وشخص لها بصرى، واشرأبت لها عنقى، وقال لساني:-
-        أيوه بقى، احكي لى عن الكسكسي!
قالت: يكفيك أن تعلم أن يوم الجمعة عند المغاربة يعنى أكلة الكسكسي، فقلما تتخلف أسرة مغربية عن هذا الموعد، ويمكنك أن تجرب ذلك بنفسك، فقط اخرج إلى الشارع بعد صلاة الجمعة، وستشم رائحة الكسكسي بين كل دار وأخرى، وقاطعتها: هل تعلمى سبب تسمية الكسكسي بهذا الاسم:؟ فأجابتنى على الفور: لا
قلت لها سأحكي لك سبب التسمية: " أيام الحملة الفرنسية على مصر جلست امرأة أمام منزلها تفرك الدقيق لتطبخه،  فمر من أمامها أحد الجنود الفرنسيين وسألها : " كوس كو سي" وهي كلمة فرنسية تعنى: ما هذا؟ فكررت المرأة الكلمة قائلة: كسكسي أيوا يا خويا دا كسكسي!
وظننت أن الفتاة ستنفجر ضاحكة لهذه النكتة، إلا أنها لم تحرك ساكنا، وبدى لي أنها لم تفهمها، أو ربما لم تصدقها، وقد تكون لهجتى المصرية وسرعة إلقائي للنكتة سببا لعدم فهمها إياها، وسرعان ما التقطت مني طرف الكلام بشئ من الجدية وراحت تقول: لقد حاول كثيرون معرفة أصل الكسكسي، فكثرت الأبحاث وانتشرت الفرضيات، فمنهم من قال أنها طبخة ترجع إلى عهد الرسول وصحابته، وأوردوا لها أحاديث في البخاري والترمذي، ومنهم من شبهها بالأديم الذي كان يأكله الرسول صلى الله عليه وسلم، بل وزاد الشطط  بالناس أن أرجعوا سبب اختراعها إلى الجن! أما عن مكونات الكسكسى فيتكون من حبيبات  صغيرة من الدقيق أو من الشعير المجفف يوضع فوقها أنواع سبعة من الخضروات هي : ( الجزر ويسمى خيزّو، و الكوسة وتسمى قريعة خضراء، والكرنب ويسمى ليشو، واللفت ويسمى اللفت، والبطاطس وتسمى البطاطا، والقرع الأحمر ويسمى الجرعة الحمراء، والفلفل الرومي ويسمى الفلفلة، ثم يوضع عليها قليل من الحمص الشامي وكثير من اللحوم!
-        كل هذا في طبخة واحدة؟
-        نعم
-        وكم تستغرق من الوقت؟
-   ليس كثيرا، نصف ساعة! ثم استدركت: أو يزيد قليلا، وأضافت:  وفي اليوم الثالث من أيام عيد الأضحى يوضع فوقه رأس خروف!

وشعرت بدوار في رأسى، ربما من كثرة ما كتبت، وربما من ضغط هواء الطائرة، فاستأذنتها أن أخطو خطوات أنشط فيها دورتى الدموية، ومضى وقت ليس بالطويل ثم عدت إليها، ولم تنتظر جلوسى حتى بادرتنى:
-        أتريد أن أحكي لك عن عادات المغرب؟
-        نعم، ويا حبذا لو تبدأي بعاداتكم في الزواج!
-        ولكنى لم أنتهي من الأطعمة بعد!
-        لا، كفى ما ذكرتيه، وما كتبته، أريد أن أعرف الآن كيف تتزوجون!

ورأيتها تعتدل في جلستها، وقد أسندت رأسها إلى المقعد، ثم ألقت نظرة عابرة عن يمينها قائلة: يبدو أننا نحلق الآن فوق الجزائر! فقلت لها وماذا عن المغرب: قالت:  تقصد عاداته في الزواج! فأجبتها: نعم قد فهمتيى!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق