الخميس، يونيو 19، 2014

المملكة 13

(7)

كل من عليها فان

 وواصلت السير يمينا فيسارا حتى انسد أمامي الطريق دون أن أرى الأطلسى، غير أنى سمعت أمواجه تتلاطم، وشممت رائحة مياهه، فأيقنت أننى قد اقتربت كثيرا منه، وبدأت أبحث عن مخرج، فصوب لى أحد عمال النظافة الطريق، وهنا ملاحظة وجب على ألا أتركها، فعلى امتداد طريق محمد الخامس، بل وقبله، فمنذ أن خرجت من الفندق وأنا أرى عمال النظافة يمسحون الشوارع النظيفة بمعدات بدائية جدا، سعف النخيل على سبيل المثال، ولا أدرى أهو من ضعف الإمكانيات أم لأن الأرض لا تحتاج أكثر من ذلك!
وعندما اقتربت من نهاية الطريق الذي وصفه لي عامل النظافة، يطلقون عليه هنا في المغرب (الكناس)، رأيت مياه الأطلسى تغازلها أشعة الشمس، فبدت وكأنها ذهبا يتلألأ، واقتربت منها أكثر فأكثر، إلا أننى رأيت شيئا سرعان ما لفت انتباهي وغير من وجهتى، رأيت بابا صغيرا انفتح على مصرعيه دخلت منه قطة سوداء كبيرة، خطت خطوات واثقة مطمئنة، فانتبهت فإذا بى أعبر الشارع كي أدنو منها -فضولاـ فنظرت داخل الباب فرأيت ساحة كبيرة بدت منها شواهد رخامية وضعت على مدافن قديمة، ولم أر القطة، وتحسست قدمى فرأيتنى أتقدم داخل ساحة المقبرة، ورأيت مدافن كثيرة على مد البصر وآخره، حتى انتهيت بنظرى إلى مياه الأطلسى. ما هذا، مقابر على المحيط؟!
وأما شواهد المدافن فجاءت متناسقة، جميلة، وغريبة، بطريقة الاطناب تارة وبالإيجاز تارة أخرى، كل على حسب أهميته، فمثلا هذا شاهد قبر لرجل يبدو أنه كان مهما ذات يوم، كتب عليه ما يلى:
"شاء القدر أن يستشهد هذا الرجل الشاب العظيم السيد المصطفى بن جَ عبد العزيز الحنصالى الذي كرس حياته في الدفاع عن المتعاونيين وتأسيس كثيرا من التعاونيات على العموم وخاصة منها المنبثقة من الصناعة التقليدية وبعبارة أوسع زعيم الصناعة التقليدية والمتعاونيين التقليديين، الرجل الذي التقى بالرفيق الأعلى مشغولا بالتربية والتوعية في شؤون الصناع التقليديين والعمال العاطلين، وفاه الأجل إثر حادثة سيارة يوم الإثنين 29 ربيع ثان 1384 الموافق 7 ((غير واضح) عام 1964 ودفن يوم (غير واضح) تغمده الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته"
ترى ما الذي أحب أن يكتب على قبرى؟! لا أريد ان يكون لقبري شاهد، أريد أن يكون قبرى في قلوب الناس، فلأن تحملنى القلوب خير لى من أن تحملنى القبور! سئل روائي أرجنتيني ، بدين الجسم : ماذا تتمنى أن يكتب على شاهد قبرك ؟ فَكَّر للحظة وأجاب، أتمنى أن يكتب على شاهد قبري : مات نحيلا! و توقفت أمام شاهد آخر كان هذا نص ما كتب عليه:
"بسم الله الرحمن الرحيم
كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام
هذا قبر المرحوم بكرم الله السيد عبد الرحمن بوقاع الذي وافاه الأجل بمدينة باريس يوم 15 مايو سنة 1975 على إثر سكتة قلبية وهو في السنة 38 من عمره، قضى حياته القصيرة – رحمه الله- في الجد والنزاهة والعمل من أجل الصالح العام، وحبه للخير والإحسان، تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جناته. و "إنا لله وإنا إليه راجعون"
لا أحب أن يكتب على قبري في أي مكان مات، فما لذلك عند الناس من قيمة!
أما الشاهدين الثالث والرابع اللذان توقفت أمامهما فكانا شاهدين على قبر سيدتين، الأول جاء موجزا والثاني كان أكثر إيجازا:
"بسم الله الرحمن الرحيم
كل نفس ذائقة الموت
هذا قبر المرحومة السيدة زينب بنت الحاج عبد الرحمن السرايرى توفيت يوم الخميس ربيع I 1384 هجرية موافق 13 غشت 1964 تغمدها الله برحمته الواسعة آمين"، و "هذا قبر السيدة شامة النهيمة رحمها الله"
أما أجمل شواهد المقبرة فكان مايلى:
الحمد لله الواحد الصمد، الذي كتب الموت على كل أحد، والصلاة والسلام على عبده محمد
هنا الزهرة التى اقتطفتها يد المنية من روض الأسرة المشرفية بعدما فاح أريجها وكان ذلك القطف المفجع اثر حادث بالديارالأندلسية ذهب ضحيتها ضجيع هذا القبر الشاب التقى عدنان المشرفي الذي لقي ربه يوم السبت 19 رجب 1396، 17 يوليوز 1976، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته، وجعل منزلته في المقربين والمخلصين"
رحم الله الجميع!









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق